إلا إن للنجاة أسباباً من أتى بها وحرص على فعلها كُتبت له السعادة في
قبره، ورُجي له الأمن من فتنته، ومن تجنّبها خُشي عليه ألا ينجو من العذاب،
ومعالم الخلاص مبثوثة في الوحيين ينبغي للمؤمن أن يتتبعها ويستقصيها ثم
يعمل بمقتضاها، وهي –كما يقول الإمام
ابن القيم– على نوعين: أسبابٌ عامّة، وأسبابٌ خاصّة، وسوف نشرع بحول الله وقوته في بيانها فنقول:
هناك أسبابٌ تقتضي بعمومها الوقاية من عذاب القبر، كدوام تذكّر الموت
ومحاسبة النفس، ومؤدّى ذلك: الاستقامة على طريق الحق وتجنّب مسبّبات
العذاب، والإكثار من الأعمال الصالحة بأنواعها، ومما ورد في هذا الشأن حديث
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(إن
الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا
كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله،
وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند
رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه
فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي
مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف
والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل..) الحديث رواه
ابن حبان في صحيحه وحسنه
الألباني.
وثمّة في المقابل جملةٌ من الأسباب الخاصة التي دلّ الشارع عليها:
السبب الأوّل:الشهادة في سبيل الله: وهي من أعظم أسباب النجاة، ويدلّ عليها
الحديث الذي رواه أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث سأله: يا
رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال له عليه
الصلاة والسلام:
(كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) رواه
النسائي، والمعنى كما ذكر الإمام
القرطبي أن الشأن عند المؤمن البذل والتسليم لله، وتوقّد الحمية لله عز وجل
والتعصب له لإعلاء كلمته، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب
والقتل، فأغنى ذلك عن سؤاله في قبره.
وثبت الأمن من عذاب القبر كذلك عن
المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(
للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من
الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان،
ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ) رواه
الترمذي وابن ماجة.
السبب الثاني: العناية بسورة تبارك: فعن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال:
( إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: {تبارك الذي بيده الملك} (الملك: 1)
) رواه
أحمد في مسنده
والترمذي في سننه، وورد هذا المعنى أيضاً في حديث مرفوع ولفظه:
( هي المانعة، هي المنجية؛ تنجيه من عذاب القبر) أخرجه
الترمذي، والقصد أن النجاة تكون بمداومة قراءة هذه السورة المباركة والعمل بمقتضاها، يقول الإمام
السيوطي: " فعرف من مجموع الأدلة أنها تجادل عنه في القبر وفي القيامة لتدفع عنه العذاب وتدخله الجنة".
السبب الثالث:الموت بمرض البطن: ودليله ما رواه
عبد الله بن يسار رحمه الله أنه قال: كنت جالساً
وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة رضي الله عنهما، فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن
يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: " ألم يقل رسول الله - صلى الله
عليه وسلم- :
(من يقتله بطنه، فلن يعذب في قبره)؟ فقال الآخر: بلى " رواه
النسائي.